إنّ لكل شيء أُمًّا وأم القرآن هي الفاتحة… وهي السبع المثاني،
التي تكرَّم االله بها على عباده تنزيلاً وترتيلاً ، وهي التي قسم االله بها
الصلاةَ بينه وبين عبده مناصَفةً ثمَّ أعطاهُ ما سأل.
وكما أنّ القرآن استجمع في قبضته كلّ ما سبقه من وحي
سماويّ؛ فإن السْبع المثانِي قد اختزلت في حنَاياها كل الأسرار القرآنيّة؛
فكانت نور النور ومشكاةَ الوحي وخلاصةَ الخلاصة..
ففيها من الصفات والأسماء، والحمد والثناء، والخوف والرجاء،
والعزة والشقاء، والداء والدواء، والفناء والبقاء، والسَّراء والضراء ما تنوءُ
العقول بحمله من فيض الأسرار ولَمع الأنوار..
ومن التفاسير ما يهتم بدلالات الألفاظ، وآخر بدلالات المعاني،
وغيرُه بدلالة الرمز والإشارة وغير ذلك… إلا أن هذا الكتاب أشبه ما يكون
بباقة من الوْرد ضمّت من كل بستان زهرةً، تفوح عبقًا بالأسرار، وتهتز طربًا
باللافت من الأفكار، إلى جانب ما فيه من إبراز للوحدة الموضوعيّة
للمعاني، ورعاية للتناسب بين الآي، وتجسيد للتناغم بين الكلمات.