مسؤوليّةُ الإحياء في زمنِ التَّحوّلات
يأتي كتاب «جهود التجديد» بوصفه وقفةَ تأمّلٍ عميقة أمام سؤالٍ ملحٍّ لم يزل يُؤرِّق الضمائر الحيّة:
كيف يُبعث الدِّين في واقعٍ تتغيّر ملامحه، دون أن يُمسّ جوهرُه أو تُفرَّغ روحه؟
إنه كتاب لا يتعامل مع التجديد كشعارٍ عابر، ولا كحركةٍ شكلية، بل يقدّمه باعتباره
مسؤوليّةً إيمانيّة، ومجاهدةً أخلاقيّة، ومسارًا تربويًّا طويل النفس.
لا يرى المؤلف في التجديد قطيعةً مع الماضي، ولا تمرّدًا على الثوابت، بل يعتبره
عودةً واعيةً إلى الجذور، تُحافظ على الأصول وتُجدّد الوسائل،
وتستخرج من التراث روحه الحيّة القادرة على مخاطبة الحاضر.
فالتجديد الحقّ ـ كما يبيّنه الكتاب ـ هو إحياءٌ لا هدم، وبناءٌ لا فوضى،
وحركةٌ منضبطةٌ بالمقاصد.
ينطلق الكتاب من حقيقةٍ كبرى: أنّ أيّ مشروع إصلاحي لا يبدأ من إصلاح الإنسان،
مصيره التعثّر مهما بلغ من حسن التنظيم وقوّة الخطاب.
لذا يركّز المؤلف على تزكية النفوس، وتصحيح النيّات، وتحرير العمل من الأنانيّة وحبّ الظهور،
مؤكّدًا أن القلوب إذا صَلُحت صلح ما حولها، وإذا فسدت تعثّر كلُّ بناءٍ فوقها.
يُبرز الكتاب أنّ الأزمات المعاصرة ليست أزمات أدواتٍ أو وسائل، بل هي في جوهرها أزمات قيم.
وحين تُغيَّب الأخلاق عن مسار التجديد، يتحوّل العمل إلى حركةٍ جوفاء، ويفقد الدين أثره في النفوس.
ومن هنا يُعيد الكتاب الاعتبار لقيم: الإخلاص، والعدل، والرحمة، والتواضع، وحسن الظن،
بوصفها الأساس الحقيقي لأيّ إحياءٍ صادق.
يقدّم المؤلف رؤيةً متّزنة للعمل الدعوي والخدمي، تقوم على الجمع بين الحماسة والعقل،
وبين العاطفة والبصيرة. ويحذّر من الاستعجال، وردود الأفعال، والانفعالات غير المنضبطة،
داعيًا إلى عملٍ راسخٍ صبورٍ يتقدّم وفق السنن الإلهيّة في التغيير.
يؤكّد الكتاب أنّ من لا يُحسن قراءة عصره، يعجز عن تجديد خطابه، مهما صدقت نيّته؛
فالجمود على صورٍ قديمة، كما الانسياق الأعمى وراء الواقع، كلاهما آفتان.
ومن هنا يدعو المؤلف إلى وعيٍ زمانيٍّ رشيد يحفظ الهوية، ويفهم التحوّلات،
ويُحسن التعامل مع التحدّيات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.
«جهود التجديد» ليس كتابَ تغييرٍ شكلي، بل كتاب نضجٍ روحيٍّ ومسؤوليّةٍ إيمانيّة.
إنه دعوةٌ إلى إحياء الدِّين في القلوب قبل الشعارات، وفي السلوك قبل الخطاب،
وإلى إدراك أن التجديد الحقّ هو ذاك الذي يصنع إنسانًا مستقيمًا، فيكون به المجتمع أقرب إلى الصلاح.
عن المؤلف
وُلد فتح الله كولن عام 1938م في ولاية أرضروم بتركيا، وهو عالِم ومفكّر ومربٍّ بارز من روّاد الإصلاح التربوي والفكري في العالم الإسلامي المعاصر.
جمع بين العمق الروحي في الفكر الصوفي والتحليل العقلي والتربوي الحديث، فأسّس رؤيةً تجمع بين الإيمان والعلم والحوار وخدمة الإنسان.
كرّس حياته لنشر فهمٍ متجدّدٍ للإيمان في ضوء القرآن والسنّة، ودعا إلى تربيةٍ تهدف إلى بناء الإنسان القادر على الموازنة بين الإيمان والعقل والعمل.
ألّف أكثر من ثمانين كتابًا في مجالات العقيدة والفكر والتربية والروحانية، ومن أبرز مؤلفاته:
يتميّز أسلوبه بنقاء اللغة وعمق المعنى ورقّة الحسّ الروحي، ويقرّب القارئ من القرآن والسنّة في تجربةٍ فكريةٍ وروحيةٍ متجدّدةٍ تنبض بالحياة.
لمزيد من المعلومات، يُرجى زيارة: www.gulenarabic.com